السبت، ٥ ديسمبر ٢٠٠٩

تاجر عجوز يحارب التسول في بغداد

عبد الله حربكانين - بغداد
السبت 24-4-2004

الحاج حسين عجوز عمره 80 عاما يقف كل جمعة متكئا على عصاه أمام بوابة مسجد 14 رمضان في بغداد وهو يحمل في يده اليسرى صندوقا من الورق بداخله بضع عشرات من الكتيبات الدينية والمناديل الورقية. بعد انتهاء الصلاة يمتزج صوته المبحوح مع أصوات الأطفال الذين تجمعوا لبيع الصحف وبعض الإكسسوارات وهم ينادون زبائنهم من المصلين الخارجين من بوابات المسجد.

الحاج حسين يرفض أن يتلقى أي صدقة أو مساعدة من المصلين ما لم تكن مقابل شراء لبضاعته التي لا يتعدى ثمنها خمسة آلاف دينار عراقي أي نحو ثلاث دولارات، لكن المشترين عادة ما يدفعون له أكثر من ذلك بكثير إذ يعتبر بعضهم أن الأمر بالنسبة لهم في النهاية صدقة لهذا العجوز الفقير.

وعندما سألناه عن سر هذه التجارة قال إنه يرفض أن يتسول الآخرين، كما أن التسول لا يجلب في هذه الأيام الكثير من الدخل بسبب الأوضاع الاقتصادية القاسية في هذا البلد المحتل. الحاج حسين لديه اليوم مهنة شريفة ومشروعة يقتات منها هو وعائلته التي تمزقت -حسب ما يحكي- بين ضحية في عهد النظام السابق وسجين في عصر الاحتلال الحالي ولم يبق منها سوى ثلاث نساء تحت كفالته.

لكن هذا العجوز لا يجد في غير الجمعة يوما يسوق فيه بضاعته مما يضطره لأن يتخذ في كل يوم موقعا جديدا في بغداد لاصطياد زبائنه، مع ذلك فإن مكسبه من ذلك ربما لا يساوي ربع ما يحصل عليه في نصف الساعة الذي يعقب صلاة الجمعة حيث يتمكن في كثير من الأحيان من بيع كل ما لديه مما يوفر له ربحا معقولا.

لا يهتم الشيخ حسين بتوسيع هذه التجارة ويقول إن بصره وصحته لا تساعدانه على ذلك فهو يتوجه بعد تصريف ما لديه لأحد التجار الذين يعرفهم منذ 20 عاما لشراء بضاعة أخرى نقدا استعدادا لرحلة تسويق أخرى لا يعلم إلى أين ستأخذه إذا ما كتب له العيش حتى الغد.

إقبال المصلين على التجار الصغار الذين يتقاسمون معه المكان ويركضون شرقا وغربا لاستقطاب الزبائن لا يمثل تحديا في نظره ويقول في ذلك "الأرزاق بيد الله"، فهو لا يستطيع مجاراة منافسيه ولا يملك لكسر ذلك سوى تغيير اتجاهات وقوفه يمينا ويسارا.

بعض المصلين ينظرون إلى ظاهرة هذا الرجل على أنها غطاء للتسول. ويقول أحمد -وهو مصل يتردد على هذا المسجد- إن التسول الذي كان متفشيا في الماضي قد تراجع كثيرا ليس لأن الوضع الاقتصادي قد تحسن ولكن لأن مردود هذه المهنة لم يعد مجزيا مثلما كان من قبل مما حدا بهؤلاء إلى تغيير تكتيكاتهم على حد قوله.

لكن قطاعا آخر من المصلين يعتبر حالة هذا الشيخ نموذجا للشخص العصامي الذي يعتمد على نفسه وهو في هذه السن. ويشير أحد المصلين إلى أن "الحاج حسين يمثل الشخصية العراقية في الكبرياء وعزة النفس رغم الظروف القاسية التي تحيط به". ويضيف "هذا رجل شريف وأنا أقدره واحترمه وكل يوم جمعة أحرص على الشراء منه".

ظاهرة التسول التي قال عراقيون إنها كانت متفشية على عهد النظام السابق ضمن مساوئ كثيرة ألحقت به تراجعت نتيجة عدة عوامل أحدها دخول منظمات وجمعيات خيرية غربية وعربية إلى البلاد حتى وصل عددها حسب بعض الإحصاءات أكثر من مائتي منظمة وهيئة.

تسول الأطفال هو الآخر انحسر بشكل ملحوظ وفق شهادات كثير من العراقيين الذين يعزون ذلك لانتعاش حركة السوق مما خلق فرص عمل لهؤلاء جعلت منهم حمالين وموزعين للمشروبات الباردة والمياه المعبأة والصحف اليومية المنفلتة.

وعن ما إذا كان له زملاء يمارسون نفس المهنة، يؤكد الشيخ حسين أن بعض المتسولين الذين كانوا يتنافسون معه في ساحة المسجد اتجهوا نحو هذه التجارة لتعويض الكساد الذي أصاب "سوق التسول"، لكنه ينفي أن يكون هو نفسه متسولا سابقا بدليل أنه -حسب ما يقول- يملك الكثير من الخبرة في هذا المجال الذي أكد أنه مبشر ويفتح باب الرزق الحلال للراغبين فيه، كما أنه لا يحتاج لرأسمال أو مصادقة من السلطات إن كانت هناك سلطات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق