الأحد، ١٣ ديسمبر ٢٠٠٩

دورة للصحفيين والمدونين الحقوقيين العرب ببيروت


عبد الله حربكانين – بيروت

السبت 12-12-2009


انطلقت أمس السبت في بيروت فعاليات الدورة الإقليمية الخاصة بالصحفيين والمدونين العرب في مجال حقوق الإنسان بمشاركة لفيف من الصحفيين والمدونين من مختلف البلدان العربية.


وتهدف الدورة التي يشارك فيها نحو 30 صحفيا ومدونا، للتعريف بدور الإعلام الجديد في خدمة قضايا حقوق الإنسان وترقيتها في المنطقة العربية في وقت أصبحت فيه المنابر الإعلامية الالكترونية تكسب حيزا لا بأس به في المنطقة مع انتشار الانترنت.

ويطرح التفاعل مع الإعلام الجديد أهم القضايا التي تواجه حقوق الإنسان في المنطقة العربية، مقارنة بما وصلت إليه نظيرتها في العالم الغربي، وقال عز الدين الأعرجي رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان الذي ينظم الدورة أن الهدف من الدورة هو الإسهام في اللحاق بركب الإعلام الجديد في المجال الحقوقي.

وتواجه الدورة عددا من القضايا الحقوقية على رأسها ما هو الدور الذي تلعبه المدونات العربية في التأثير على الرأي العام في ضوء الانتشار المحدود للانترنت على المستوى الشعبي في البلدان العربية وهو لا يزال من ممارسات النخبة والمتعلمين في منطقة تتفشى فيها الأمية.
كما أن قضايا حقوق الإنسان هي في الأصل جديدة على وسائل الإعلام العربية التي لا تكاد إلا القليل منها يخصص مساحة لهذا الموضوع. وعلى ذلك تأتي أهمية الدورة في محاولة لكسب أرضية جديدة عبر وسائل الإعلام الجديد.

وينتمي بعض المشاركين لمؤسسات صحفية رسمية في حين يعمل قسم آخر في وسائل إعلام مستقلة، بجانب مدونين مستقلين لا يعملون في المجال الصحفي الرسمي أو غير الرسمي.

وقد برزت في أولى الجلسات التي خصصت لتحديد المفاهيم والمنطلقات التي ستسير عليها الدورة إلى خلاف حول تعريف المدونين وعلاقتهم بالصحافة.

واستهلت الدورة برنامجها التدريبي بمحاضرات وتدريبات حول حقوق الإنسان (المفاهيم والجذور) ومحاضرة عن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان قدمها كلاً من الدكتور/ محمد أمين الميداني رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني الأستاذ في جامعة أستراسبورغ بفرنسا والأستاذ/ أحمد كرعود المنسق الإقليمي لمنظمة العفو الدولية.


كما سيتلقى المشاركون خلال الأيام القادمة تدريبات في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ونظام الحماية الدولية لحقوق الإنسان وآلياتها وجلسات حول الحملات الالكترونية ودورها في تعزيز حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير في المواثيق الدولية والإجراءات الخاصة لحماية حرية التعبير والوصول إلى المعلومات وحرية الرأي والتعبير في القوانين العربية كما سيتلقى المشاركون تدريبات حول المخاطر والمسئولية القانونية التي تواجه الصحفيين في العالم العربي وجلسات تدريبية مكثفة حول التدوين وتطبيقات في خدمة الدفاع الرقمي.

الثلاثاء، ٨ ديسمبر ٢٠٠٩

اتركوهم يتظاهروا


عبد الله حربكانين - الدوحة

الاثنين 7-12-2009

استمعت للعديد من الحجج القانونية والفلسفية في التلفزيونات والراديو والإنترنت لتبرير منع المعارضة من تسيير مظاهرة سلمية للبرلمان في أم درمان اليوم الاثنين فيها أن المنظمين لم يحصلوا على تصديق رسمي أو أنهم لم يكملوا الإجراءات المطلوبة ليكون مثل هذا النشاط قانونيا، لكنها لم تكن مقنعة بالنسبة لي.

لا نختلف في أن هذا العمل من تدبير الحركة الشعبية التي تستقوي بالقوى الشمالية للحصول على أكبر المكاسب السياسية في اتفاقية السلام الشامل وقد برزت ميولها هذه مباشرة بعد نتيجة الإحصاء السكاني الذي كشف أن ما حصلت عليه في الاتفاقية لم يكن حقيقيا وبعد أن فشلت في فسح نتيجة التعداد الذي شاركت فيه عناصرها سعت لعرقلة العمل السياسي في البلاد من مبدأ "رجل في الحكومة وأخرى في المعارضة" فهي تطرح القوانين المتشددة في البرلمان مثل قانون الصحافة وتخرج لتعارضها وهي الحزب السياسي الوحيد في العالم الذي يمارس الحكم والمعارضة في نفس الوقت.

وقد زاد توجه الحركة الشعبية لعرقلة العمل السياسي بعد حكم محكمة لاهاي الذي سلبها مواقع نفطية مهمة كانت تعول عليها كثيرا، ساهم في ذلك ضعف وعيها السياسي أصلا ومعذورة في ذلك لأنها كما يقال "من الغابة للقصر" وعدم قدرتها على التفاوض والحوار لذلك كانت تعقد الاتفاقيات في الخرطوم وتنقضها في جوبا وتتضارب تصريحات قياداتها. ففي صباح يوم قال أمينها العام باقان أموم أن الحوار مع المؤتمر الوطني وصل لطريق مسدود ليأتي زعيم الحركة في المساء لينفي للجزيرة من جوبا ذلك ويتحدث عن مشاورات ولقاءات وانجازات.

نجحت الحركة الشعبية بقيادة الصقور من أمثال باقان وياسر عرمان نائب أمينها العام ورئيس كتلتها البرلمانية في توظيف الأحزاب الشمالية لصالحها في وقت تحتاج فيه هذه الأحزاب لقوة دفع فقدتها لعدة أسباب أبرزها عدم ديمقراطية بنائها التنظيمي، وتآكل قواعدها الشعبية. فكان مؤتمر جوبا أول الحلقات واتبع بلقاء في الخرطوم، قامت بعده الحركة بسحب نوابها من البرلمان احتجاجا على ما تسميه تأخير الجهاز التشريعي لتمرير القوانين دون أن تدرك أن غيابها يؤثر في عمله، وهي تعلم أن الدورة البرلمانية أشرفت على النهاية، فهي إذن تمارس الضغط السياسي لقطف الثمار وليس التفاوض والتوافق.

فهي قطفت بعد لقاء جوبا ثمرة اتفاق الاستفتاء ليكون بنسبة خمسين بالمائة زائدا واحد وتستعد للثمرة الثانية وهي نسبة المشاركة في الاستفتاء بدل سبعة وستين بالمائة المطروحة من المؤتمر الوطني لتكون أيضا خمسين بالمائة زائدا واحد وفي حال نجحت في ذلك ستعود للبرلمان وتعاود نشاطها كما كان ولن تلتفت لقوانين التحول الديمقراطي أو المشورة الشعبية الخاصة بالنيل الأزرق وجبال النوبة كما يعتقد البعض.

لا يمكن لوم الحركة الشعبية على ميكافيلليتها هذه، ولكن اللوم على الأحزاب التاريخية التي انجرت لهكذا مستنقع وهي تعلم أن قيادات الحركة لا تفكر في الشمال وعينها بعد نحو عام على الدولة المستقلة وهي غير معنية بالمشاركة في الانتخابات لأن مرشحها سيفوز في الجنوب، بينما الأحزاب السياسية أضاعت على نفسها فرصة حشد جماهيرها للتسجيل للانتخابات وتنوير قواعدها بأهمية هذه المشاركة وهذه هي النقطة المهمة. فالمستغرب أن أحزابنا تحتج على ثنائية اتفاقية السلام وتطالب بالمشاركة وهي تعلم أن الحركة الشعبية ترفض ذلك لكنها لا تلومها بل تتحالف معها.

كنت أتوقع أن تستغل أحزابنا السياسية فرصة انشغال الشريكين بخلافاتهما لوضع برامج لخوض الانتخابات، مع السعي لكسب مزيد من العضوية أو تنشيط عضويتها الخاملة وتطوير أدوات عملها، لكنها آثرت أن تكون "العربة التي يجرها الحمار".

التظاهر حق مشروع كفله الدستور ونظمه القانون لذلك نؤيده بشدة ونرفض تقييده مهما كان فهو المدخل للتعافي السياسي وتخطي حقب الاحتقان السياسي، لذلك اختلف مع الذين قرروا منع المظاهرة لعدة أسباب هي أولا: أن الحركة الشعبية كانت تمني النفس بمنع المظاهرة لتحولها إلى ورقة ضغط سياسي وها هي فعلت ونجحت في تسويق نفسها على أنها قائدة ركب الحرية والتحول الديمقراطي في الشمال ووجدت لنفسها مبررات إضافية لزيادة قمع شعب جنوب السودان الذي تحكمه بالبندقية.

وثانيا: تسبب منع مظاهرة ما كانت لتفعل الكثير لو تركت تمر بدون اعتراض في تخريب الصورة الإعلامية الآخذة في التحسن مؤخرا خاصة بعد اتجاه قضية دارفور نحو الحل السلمي وخفوت آلة الإعلام الغربي المركز على القضية واستعدت صحفيين أجانب ومحليين في وقت تحتاجه البلاد لعكس الصور الايجابية عن تدفق الاستثمار ونمو الاقتصاد وتحسن أحوال المعيشة رغم الغلاء الذي يضرب البلاد.

سيحتاج المؤتمر الوطني لجهد مضاعف لمحو ما الصق به من اتهامات بانتهاك الحريات الشخصية ومنع المظاهرات السلمية وثبت على نفسه تهم ضرب الصحفيين والتعدي على وسائل الإعلام التي جاءت لتغطية الحدث ولم تكن طرفا فيه. فقد كان الأجدى بمن أتخذ القرار أن ينظر في رد الفعل وليس الفعل "الممكن السيطرة عليه"، خاصة وأن القوى الأمنية التي استنفرت كانت كفيلة بحماية الأرواح والممتلكات في حال انحرفت المسيرة عن وجهتها.

وكان المؤتمر الوطني سيضع المعارضة في المحك فإن هي حرفت المسيرة عن وجهتها أو تحولت لشغب وغوغائية، كشف عمليا سوء نواياها وإن سارت بسلام كما ادعى منظموها كسب احترام حتى جماهير المعارضة نفسها وأخرس ألسنة قادتها وفي كل الأحوال كان سيعرف حجم هذه المعارضة في الشارع السوداني وهو درس مفيد سياسيا، بيد أن ما حدث وضع المؤتمر الوطني في خانة الدفاع وأفقده قوة المناورة الإعلامية وغطى على نجاح حملة تسجيل الناخبين التي شكك فيها حتى الغرب ولم يرد ذكرها إلا على إعلامنا المحلي الغير قادر كما نعلم على التأثير عالميا.

لعل هذا يكون درسا في المستقبل للتعاطي مع مثل هذه القضايا بمنظور أشمل وأفق أوسع وأعمق لجني ثمار مشاركة سياسية سودانية راشدة وواعدة. والله المستعان.

السبت، ٥ ديسمبر ٢٠٠٩

حضور خجول للغة العربية بالصين لا تنقصه المعوقات


عبد الله حربكانين - بكين

الأربعاء 7-6-2006

يكافح صلاح ذو العشرين عاما مع ثلة من رفاقه الصينيين لدراسة اللغة العربية في قسم اللغات الأجنبية بجامعة بكين أعرق الجامعات الصينية.
وبمساعدة أستاذه العراقي حيدر والصيني عبد القادر، تخطى صلاح العقبة الأولى المتمثلة في نطق اللغة العربية، فهو يعتقد أن العربية صعبة النطق مقارنة بالصينية.
الآن وبعد سنتين يستطيع صلاح -وهو تعريب لاسمه الصيني- أن يوصل فكرته لمحاوريه بالعربية، لكن لغته عموما متوسطة ومحدودة في قاموسها.

وفي حين يتمكن طلاب اللغات الأجنبية الأخرى مثل الإنجليزية إتقان المخاطبة بعد السنة الأولى، يحتاج دارس العربية لثلاث من سنواته الأربع في الجامعة لمعرفة اللغة والتخاطب بها، هذا إذا كان جادا في دراسته.

ويرجع الأستاذ الصيني عبد القادر (35 عاما) ذلك لعدة أسباب أبرزها غياب البيئة التي تساعد الطالب على اكتساب اللغة.
ففي قسم اللغة العربية المؤلف من مكتب يسع ثلاثة أساتذة، لا يوجد ما يدل على أنه مخصص لتدريس هذه اللغة. فلا توجد أي كتابة عربية بل إن اللافتة الخارجية وتلك المعلقة على الباب كتبتا بالصينية. كما أن أساتذة القسم وبينهم سوري، تنتهي علاقتهم بالقسم مع انتهاء محاضراتهم، ولا يوجد لأي منهم مكتب مخصص.

بعد انتهاء كل محاضرة في اللغة العربية يخرج صلاح وزملاؤه من الفصل مختلطين مع نحو 25 ألف طالب ينتسبون لجامعة بكين، وهم مضطرون لاستخدام لغتهم الأم في التخاطب مع الآخرين.

ويقول صلاح إنه تمر عليه عدة أيام ولا يجد من يتخاطب معه بالعربية لذلك فهو ينسى الكثير من الكلمات التي يحفظها.
ويحاول الطلاب في بعض الأحيان خلق مجموعة دراسية فيما بينهم من أجل التخاطب بالعربية لبعض الوقت، لكن المشكلة التي تواجههم جميعا هي أن أيا منهم لا يستطيع تصحيح خطأ الآخر ولا يعرفون ما إذا كانت عربيتهم الممزوجة بالصينية هي نفسها التي تتحدثها العرب.

تدرس ثماني جامعات صينية العربية ست منها في بكين واثنتان خارجها، بعضها به قبول سنوي والآخر يعتمد نظام الدفعات. وتختلف كل جامعة عن الأخرى في عدد طلاب العربية لكنه لا يتعدى الستين في حده الأعلى في كل منها. وكذلك توجد عشرة معاهد في مناطق متفرقة من الصين تمنح درجة الدبلوم في اللغة العربية، أشهرها هو المعهد الأول لتدريس اللغات في بكين.
ويعتقد صلاح وزملاؤه أن المشكلة التي يواجهونها هي غياب المحادثة باللغة خارج قاعة الدرس.

تجاوز هذه المشكلة في نظر الأستاذ عبد القادر يتمثل في توسيع التعاون القائم حاليا مع الجامعات العربية في مصر وسوريا من أجل منح دارسي العربية فرصة تعلمها في بيئتها الأصلية. ويشير عبد القادر الذي حصل على فرصة للتعلم في سوريا، أنهم تمكنوا هذا العام من توفير 15 فرصة دراسية أغلبها في جامعة دمشق تبدأ في سبتمبر/أيلول المقبل.

وقد أبدى صلاح الذي اختير للدراسة عاما كاملا ضمن هذه المجموعة تخوفه من التجربة، ويخشى -حسب ما يقول-اللهجة المحلية لذلك طلب من زميله ويدعى نجيب الحاصل على الماجستير في اللغة العربية والعائد حديثا من دمشق تعليمه بعض مفردات العامية السورية، وقد وافق نجيب قائلا "بدك تجي عندي على البيت".

بعض الطلاب التحقوا بقسم اللغة العربية من أجل الحصول على فرصة عمل سريعة بعد التخرج نظرا لإقبال الشركات الصينية التي لها علاقة بالعالم العربي على استيعاب خريجي هذه اللغة، بينما البعض الآخر درجاته في الثانوية هي التي أدخلته القسم، لكن الكل اعتبر أن هذه اللغة أفادتهم جدا وأحبوها.

تاجر عجوز يحارب التسول في بغداد

عبد الله حربكانين - بغداد
السبت 24-4-2004

الحاج حسين عجوز عمره 80 عاما يقف كل جمعة متكئا على عصاه أمام بوابة مسجد 14 رمضان في بغداد وهو يحمل في يده اليسرى صندوقا من الورق بداخله بضع عشرات من الكتيبات الدينية والمناديل الورقية. بعد انتهاء الصلاة يمتزج صوته المبحوح مع أصوات الأطفال الذين تجمعوا لبيع الصحف وبعض الإكسسوارات وهم ينادون زبائنهم من المصلين الخارجين من بوابات المسجد.

الحاج حسين يرفض أن يتلقى أي صدقة أو مساعدة من المصلين ما لم تكن مقابل شراء لبضاعته التي لا يتعدى ثمنها خمسة آلاف دينار عراقي أي نحو ثلاث دولارات، لكن المشترين عادة ما يدفعون له أكثر من ذلك بكثير إذ يعتبر بعضهم أن الأمر بالنسبة لهم في النهاية صدقة لهذا العجوز الفقير.

وعندما سألناه عن سر هذه التجارة قال إنه يرفض أن يتسول الآخرين، كما أن التسول لا يجلب في هذه الأيام الكثير من الدخل بسبب الأوضاع الاقتصادية القاسية في هذا البلد المحتل. الحاج حسين لديه اليوم مهنة شريفة ومشروعة يقتات منها هو وعائلته التي تمزقت -حسب ما يحكي- بين ضحية في عهد النظام السابق وسجين في عصر الاحتلال الحالي ولم يبق منها سوى ثلاث نساء تحت كفالته.

لكن هذا العجوز لا يجد في غير الجمعة يوما يسوق فيه بضاعته مما يضطره لأن يتخذ في كل يوم موقعا جديدا في بغداد لاصطياد زبائنه، مع ذلك فإن مكسبه من ذلك ربما لا يساوي ربع ما يحصل عليه في نصف الساعة الذي يعقب صلاة الجمعة حيث يتمكن في كثير من الأحيان من بيع كل ما لديه مما يوفر له ربحا معقولا.

لا يهتم الشيخ حسين بتوسيع هذه التجارة ويقول إن بصره وصحته لا تساعدانه على ذلك فهو يتوجه بعد تصريف ما لديه لأحد التجار الذين يعرفهم منذ 20 عاما لشراء بضاعة أخرى نقدا استعدادا لرحلة تسويق أخرى لا يعلم إلى أين ستأخذه إذا ما كتب له العيش حتى الغد.

إقبال المصلين على التجار الصغار الذين يتقاسمون معه المكان ويركضون شرقا وغربا لاستقطاب الزبائن لا يمثل تحديا في نظره ويقول في ذلك "الأرزاق بيد الله"، فهو لا يستطيع مجاراة منافسيه ولا يملك لكسر ذلك سوى تغيير اتجاهات وقوفه يمينا ويسارا.

بعض المصلين ينظرون إلى ظاهرة هذا الرجل على أنها غطاء للتسول. ويقول أحمد -وهو مصل يتردد على هذا المسجد- إن التسول الذي كان متفشيا في الماضي قد تراجع كثيرا ليس لأن الوضع الاقتصادي قد تحسن ولكن لأن مردود هذه المهنة لم يعد مجزيا مثلما كان من قبل مما حدا بهؤلاء إلى تغيير تكتيكاتهم على حد قوله.

لكن قطاعا آخر من المصلين يعتبر حالة هذا الشيخ نموذجا للشخص العصامي الذي يعتمد على نفسه وهو في هذه السن. ويشير أحد المصلين إلى أن "الحاج حسين يمثل الشخصية العراقية في الكبرياء وعزة النفس رغم الظروف القاسية التي تحيط به". ويضيف "هذا رجل شريف وأنا أقدره واحترمه وكل يوم جمعة أحرص على الشراء منه".

ظاهرة التسول التي قال عراقيون إنها كانت متفشية على عهد النظام السابق ضمن مساوئ كثيرة ألحقت به تراجعت نتيجة عدة عوامل أحدها دخول منظمات وجمعيات خيرية غربية وعربية إلى البلاد حتى وصل عددها حسب بعض الإحصاءات أكثر من مائتي منظمة وهيئة.

تسول الأطفال هو الآخر انحسر بشكل ملحوظ وفق شهادات كثير من العراقيين الذين يعزون ذلك لانتعاش حركة السوق مما خلق فرص عمل لهؤلاء جعلت منهم حمالين وموزعين للمشروبات الباردة والمياه المعبأة والصحف اليومية المنفلتة.

وعن ما إذا كان له زملاء يمارسون نفس المهنة، يؤكد الشيخ حسين أن بعض المتسولين الذين كانوا يتنافسون معه في ساحة المسجد اتجهوا نحو هذه التجارة لتعويض الكساد الذي أصاب "سوق التسول"، لكنه ينفي أن يكون هو نفسه متسولا سابقا بدليل أنه -حسب ما يقول- يملك الكثير من الخبرة في هذا المجال الذي أكد أنه مبشر ويفتح باب الرزق الحلال للراغبين فيه، كما أنه لا يحتاج لرأسمال أو مصادقة من السلطات إن كانت هناك سلطات.

الشاي الصيني... تراث وطقوس واستعراض


عبد الله حربكانين-بكين

الاثنين 5-6-2006

الشاي الصيني أنواعه سبعة، هي الأخضر، والأبيض، والأصفر، وأولنغ ( الكونغ فو) والأحمر، والأسود، وشاي الورد المعالج من الياسمين، ويستخرج من أشجار مختلفة للشاي في جنوب البلاد.
يحدد كل نوع بناء على ورقه وعمر شجرته ويضاف له بعض المواد حتى يصل لشكله وتصنيفه الذي يعرف به. كل عمليات تجهيز الشاي يقوم بها المزارعون وبعض المصانع المتخصصة المتعاونة معهم قبل أن يوزع في عبوات جاهزة للاستعمال.

وكل المراحل السابقة لا ترافقها طقوس، كما هو الحال في محلات شرب الشاي وهي مشهورة في بكين، ولا يقصدها إلا المقتدرون ورجال الأعمال، وقد تصل تكلفة الجلسة الواحدة لأي من الأنواع السبعة المشهورة إلى مائتي دولار، كما أن الشاي وأدواته في الصالات مكلفة مقارنة مع الشاي المتداول بين العامة. وتقوم بعملية تقديم الشاي فتيات تم تدريبهن بشكل خاص للقيام بهذا العمل.
تقدم أبرز عروض الشاي في صالة "لأوشيا تي هاوس" المستلهم من اسم كاتب صيني شهير ألف رواية اسمها "تي هاوس" أو صالة الشاي، وهو أشهر المحلات في بكين ويرتاده كبار الساسة والمسؤولين، ونصب عند بابه تمثال للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش. وعلقت على جدرانه صور من زاروه من زعماء العالم.

تبدأ الطقوس في هذا المحل بشرح بسيط من مقدمة العرض، خلف الأدوات المستعملة ونوعية الشاي الذي طلبه الزبون، ثم يمرر عليه لاستنشاقه قبل سكب الماء المغلي عليه ليتحول إلى شاي يقدم بطريقة استعراضية يشارك فيها الزبون من خلال رشفات ثلاث للفنجان، تسمى الأولى "الشرب" ويحتفظ خلالها الزبون بالشاي لفترة من الوقت في فمه قبل بلعه من أجل منح اللسان فرصة لتذوقه، في حين تكون الرشفتان الثانية والثالثة بصوت عالٍ من أجل إظهار الاحترام لمنتجي الشاي ومقدمته.

وتستطيع مقدمة العرض من خلال الرشف تحديد مدى معرفة الزبون بأصول شرب الشاي، مثلما يعرف بعض الملمين بالتقاليد في هذا المجال قدرات مقدمة العرض.

تصل مرات النقع وليس الغلي إلى عشرة في بعض أنواع الشاي خاصة شاي الأولنغ، يستبدل بعدها بحفنة جديدة تستمر بعدها العملية حتى تنتهي علبة صغيرة من الخزف تقدم في النهاية هدية للزبون. وتقول رو هوا (23 عاما) وهي مقدمة عرض الشاي منذ سنوات في صالة لأوشيا، إن الأجانب غالبا لا يكملون الطقوس على عكس الصينيين الذين يحرصون عليها باعتبارها جزءا من التراث الذي تجب المحافظة عليه في بلد يتحول سريعا، ربما سبب ذلك أنه خالٍ من السكر.

وتضيف "أن توقيت شرب الشاي يعتمد على الفائدة المرجوة من ورائه". فشاي أولنغ مثلا يقلل الشحوم في البطن إذا شرب قبل الأكل ويحفز الشهية، كما أنه يساعد في إنقاص الوزن ويحمي من الأمراض إذا شرب بعده. وعموما فإن شربه -حسب ما تنصح به رو هوا- لا يحبذ قبل الأكل، وهي معلومة غابت عنا عند تناولنا له على مدى ساعة ونصف.

الجمعة، ٤ ديسمبر ٢٠٠٩

أنقذوا الصوماليين من أنفسهم


عبد الله حربكانين - الدوحة

الخميس 3-12-2009

المشاهد الدموية التي بثتها قنوات التلفزة اليوم عن تفجير في فندق استهدف خريجي كلية الطب في مقديشو وراح ضحيتها الكثيرون من بينهم وزراء تبعث على الأسى للحال التي وصل إليها وضع الصومال. فبعد أن انتهى عهد أمراء الحرب الذين عاثوا في البلاد فسادا طوال سنوات وجاءت المحاكم الإسلامية للسيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد وساد تفاؤل على أن الصوماليين سيصلون بعد أكثر من عقدين إلى بر الأمان في إنشاء دولة مستقرة تحفظ كرامتهم وتصون حقوقهم، لكن ها هي المحاكم تنقسم على نفسها ويخوض رفقاء الأمس الحرب نفسها لتنغمس البلاد في دوامة من العنف اللا منتهي حتى أن الصومالي البسيط الذي أحبطته سنوات المحنة يجد نفسه غير قادر على تقييم ما يدور حوله، فالكل يقاتل الكل باسم الدين في بلد كل سكانه مسلمين.

زعماء الصومال "الإسلاميين" في الحكم والمعارضة يتقاتلون بلا هوادة ويجعلون من حلم إعادة بناء الدولة أبعد ما يكون. فتفجير انتحاري لنفسه وسط طلاب وأسرهم ظنوا أنهم سيعيشون لحظة فرح نادرة في بلد الموت هذا وهم داخل فندق شامو، وأن فلذة أكابدهم سيخرجون أطباء علهم يضمدون جراح طالما ظلت مفتوحة، فإذا بالمناسبة تتحول لمأتم كبير.

سقط وزير التعليم العالي إبراهيم حسن عدو، وبجانبه وزيرة الصحة قمر أدن علي ووزير التربية أحمد عبد الله وايل من بين 18 قتيلا و30 جريحا في التفجير.

فالتفجير ضربة للتعليم والصحة والتربية ممثلا في الوزراء أولا وهذه المؤسسات الثلاث ثانيا، كما أنه يمثل نقلة خطيرة تظهر النفق المظلم الذي وصل إليه الوضع، فالحزب الإسلامي وحركة الشباب المجاهدين الذين يخوضان الحرب على "إخوة الأمس" و"إخوة الإسلام"، بدعوى أنهم "كفرة" وأنهم "صناعة أجنبية"، يسيئان كثيرا لنفسيهما وللقيم الإسلامية التي يقولان إنهما يدافعان عنها وأن جهادهما من أجل الصوماليين، فهما في الواقع ينفران الصوماليين البسطاء عنهما. فكيف لهما معا أو أحدهما أن يضرب موقعا مدنيا لطلاب يحلمون بمستقبل واعد كابدوا من أجله سنوات في بلد يعيش الجحيم، وتصور ذلك على أنه هدف مشروع. وعندما تتهم حركة الشباب والحزب الإسلامي حكومة شريف شيخ أحمد بالعمالة لإثيوبيا وأمريكا، ينسيان أنهما متهمان أيضا بالولاء لإريتريا لخوض حرب وكالة مع أديس أبابا على أرض الصومال تصفية لخلافات الجارين المتنافسين.

هل عجز هؤلاء عن تسوية خلافاتهما بالحوار بدل القتال الذي استمر سنين طويلة دون أن يقدم جديدا، أما كان حريا بهذه الأطراف أن تسلك طريقا آخر يفتح أبواب الأمل أمام هذا الشعب الصابر؟ وهم جميعا يدركون أن قضاء أحدهم على الآخر مستحيل؟.

وفي ظل هذا الوضع المتفاقم فشلت كل الجهود الإقليمية والدولية في تسوية أزمة هذا البلد الذي ترعرع فيه جيلان في بيئة "اللا دولة"، فمن يستطيع أن ينقذ الصوماليين من أنفسهم وحالهم يغني عن السؤال، فمصطلحات "موت وتشرد وقرصنة وقتال وسلاح وذخيرة وتفجيرات"، حلت مكان الأمن والخبز والعيش الكريم.

والله المستعان.